الأحد، 24 أكتوبر 2010

علاقة الكاتب بالقانون

سألت أحد الكتاب ذات مرة ،
كيف ترى العلاقة بين الكاتب والقانون ؟
فأجاب : هي علاقة ملتبسة ومعقدة .
فسألته أين يكمن اللبس والتعقيد ؟
فأجاب : في رغبات الكاتب وحاجات القانون للتنظيم .
..........................

لقد صدر قانون المطبوعات والنشر بالمرسوم السلطاني رقم (49/84 ) وذلك في السادس والعشرون من شهر مايو من العام 1984م ، وبالنظر إلى التاريخ الذي صدر فيه القانون المذكور - أي بعد أربعة عشر عاما من بدء بناء الدولة الحديثة – يجب علينا أن ندرك أن الصحافة والنشر والكتابة في تلك الفترة ما تزال حديثة العهد وفي طور البناء من الصفر – وأعني هنا البناء من الصفر تنظيميا – فعند صدور هذا المرسوم لم تكن هناك سوى أربعة صحف رسمية ، أولها جريدة الوطن التي صدرت في العام 1971م ، وبعدها جريدة عمان في العام 1972م ، ثم جريدة تايمز أوف عمان باللغة الإنجليزية في العام 1975م ، تليها جريدة عمان أبزرفر في العام 1981م حيث أن محدودية العمل الصحفي في تلك الفترة جعلت من هذا القانون قانونا تنظيميا بحتا يتناسب مع تلك المرحلة للواقع الصحفي في السلطنة .
وبعد تلك المرحلة إنتقلنا إلى مرحلة جديدة تطورت بتطور البلد وتطور الوعي والفهم لدى المجتمع وإدراكه لأهمية الصحافة والنشر في أي دولة تسعى إلى التقدم والإزدهار ، ومع دخول العالم لمرحلة شبكة المعلومات العالمية والتطور التقني السريع في مجال الإتصالات وتبادل المعلومات جعل الحاجة إلى هذا القانون تتخطى الحاجة التنظيمية لتصبح حاجة تطبيقية ملحة توضح الحدود التي رسمها القانون للكاتب أو الصحفي أو الناشر على حد سواء بحيث أن تجاوز هذه الحدود يفرض إجراء عقابي ضد المخالفين لهذا القانون .
000000000000

لقد أصبح للكاتب أو الصحفي مجال أوسع وحرية أكبر للكتابة والنشر في الوقت الراهن بسبب التطور التقني في مجال نقل المعلومات وتبادلها عن طريق وسائل الإتصالات الحديثة ، مما جعل المشرع يرقب ويلاحظ هذا التطور الذي من شأنه أن يؤدي إلى بعض الوقائع والأحداث السلبية التي تؤدي بدورها إلى التصادم المباشر مع قوانين الكتابة والنشر من جهة ، وبينها وبين القوانين الاخرى من جهة ثانية ، فحرية التعبير وحرية الرأي تشوبها أحيانا بعض التصرفات الفردية الطائشة والخاطئة التي تنال من نزاهة فكرة حرية التعبير وفكرة النقد البناء التي هي مطلب تنشده المجتمعات الحديثة الساعية للإصلاح والتحديث ، وتصبح المسألة تصفية حسابات ونيل من كرامة وأعراض الآخرين وإثارة قلاقل وبلبلة في المجتمعات مما يجعل سلطات القانون أمام فوهة مدفع حرية الصحافة والكتابة وإبداء الرأي ، فالفرق لا يكاد يرى بين النقد البناء والعمل الهدام فبين الأمرين خيط رفيع ودقيق جدا يلتبس على الناس ، وهنا يكمن أصل المشكلة .
000000000

القانون لا يعاقب على النقد البناء ، فالصحفي أو الكاتب الذي يكتب مقالا ينتقد فيه أداء مؤسسة ما من دون أن يكيل إتهامات شخصية تمس سمعة الآخرين ، أو تحريض الآخرين على عمل يخالف القانون ضد تلك المؤسسة ، ويجب على الكاتب أن يتيقن أن موضوع النقد واقعيا صحيحا لا لبس فيه ولا يحتمل الخطأ ولو بنسبة بسيطة .
00000000000000

في خضم هذا التطور والإنفتاح الحاصل في مجتمعاتنا تظهر أحيانا على السطح بعض الإشكالات بين الكاتب أو الصحفي وبين القانون ، فالكاتب يستند إلى فكرة حرية الصحافة والنشر وحرية النقد البناء ، والقانون يرى أن بعض الكتابات تمثل مخالفة لقوانين الدولة فيقع التصادم بين الجهتين ،وأبرز مثال على ذلك الكتابات التي تنشر في المواقع الإلكترونية ، حيث أن بعضها يمثل مخالفة صريحة للقانون وذلك لأنها تنطوي على الإفتراء بحق شخص ما ، أو إنها تنال من كرامة إنسان ما بالسب والشتم ، فهل يجب على القانون أن يعاقب هذا الكاتب بإعتباره كاتبا أو صحفيا ،
فتتم معاقبته وفقا لقانون النشر والمطبوعات ، أم أن قانون النشر لا يصلح تطبيقه هنا لكون المخالفة جزائية وتندرج تحت طائلة قانون الجزاء وفق مواده المعروفة ، فهل هذا يدل على أن هناك تنازع في القوانين .
0000000000

هنا الحديث يطول ولا ينتهي بخصوص العلاقة بين الكاتب والقانون ، ويجب على الكاتب والقانوني في الأخير إيجاد أساس مشترك وقاعدة متناغمة توضح العلاقة المطردة بينهما ، وتذيب كل الإشكالات التي من شأنها إعاقة مبدأ حرية الصحافة والنشر ومبدأ القانون فوق الجميع .

/

إبراهيم الرواحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق